قال الشيخ محمد أمان الجامي :
"الإسلام الذي هو الاستسلام ، والانقياد ، والقيام بأعمال الجوارح عملاً وتركاً ؛ الإيمان الذي يشمل تصديق القلب، وقول اللسان ، وعمل الجوارح على أصح قولي أهل العلم ؛ أي عند الجمهور.
وقول بعضهم : إن الإيمان هو التصديق فقط. قول ضعيف ترده أدلة من الكتاب والسنة ؛ التصديق كما تقدم ؛ من ادعى أنه مؤمن بقلبه ؛ أي بالتصديق ، ولكنه يرفض التلفظ بالشهادتين ؛ ليس بمسلم ، ولا مؤمن ، وإن تلفظ بالشهادتين ، وترك الأعمال اتكالاً على نطقه بالشهادتين ، وعلى ما يزعم من التصديق ؛ ليس بمؤمن ؛ إما أنه ليس بمؤمن أصلاً ، أو ليس بمؤمن إيماناً كاملاً. هذا التحفظ سببه ما نسب إلى بعض الأئمة ؛ كالإمام أبي حنيفة وأتباعه وأصحابه ؛ بأن الإيمان هو التصديق ، وفي رواية عنه : التصديق ، والتلفظ بالشهادتين"اهـ
(شرح الأربعين النووية - الشريط الثاني)
وقال : "الإيمان عند أهل السنة والجماعة ، وعلى الأصح عند جمهور أهل السنة والجماعة ؛ يتألف من هذه العناصر الثلاثة ، وإنما قلت : جمهور أهل السنة والجماعة ؛ لأن من أهل السنة والجماعة من خالف الجمهور ، وجعل الإيمان إما مجرد التصديق ، أو التصديق والقول معاً ؛ كما عليه الإمام أبو حنيفة وأصحابه كما تقدم ، وكما سيأتي هنا.
لا تتعجل : يجب أن نفرق بين التعبيرين ؛ مذهب أهل السنة والجماعة ، ومذهب جمهور أهل السنة والجماعة ؛ نحن هنا نعبر ؛ نقول : الإيمان عند جمهور أهل السنة والجماعة : اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح ، وعند بعضهم - وهو خطأ - الإيمان إما مجرد التصديق ، أو التصديق بالقول . والأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان ؛ هذا الذي قاله الإمام أبو حنيفة النعمان ، وأصحابه ، وأخطأوا في ذلك"اهـ
(القول السامي في الرد على الجامي ص 36)
-----------------------------------------
• [ التصحيح ]
الشيخ محمد أمان الجامي رئيس شعبة العقيدة بقسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية (سابقاً) ؛ يجعل قول مرجئة الفقهاء قولاً لأهل السنة ؛ فيقول : (( الإيمان عند جمهور أهل السنة والجماعة: اعتقاد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح )) ، وليس كذلك ألبتة ؛ بل هو إجماع أهل السنة ؛ فمن آمن بقلبه ، ونطق بلسانه ، ولم يعمل شيئاً قط بجوارحه ؛ فليس بمسلم أصلاً ؛ بل هو كافر مخلد في النار ؛ لا ينفعه تصديق القلب ، ولا نطق اللسان.
قال الزهري: "الإيمان قول وعمل قرينان؛ لا ينفع أحدهما إلا بالآخر"اهـ (مجموع الفتاوى 7/295)
وقال سهل بن عبدالله التستري: "الإيمان إذا كان قولاً بلا عمل؛ فهو كفر"اهـ (الإبانة 2/814)
وقال الأوزاعي: "لا يستقيم الإيمان إلا بالقول، ولا يستقيم الإيمان والقول إلا بالعمل، ولا يستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بنية موافقة للسنة، وكان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل، والعمل من الإيمان، والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسم يجمع هذه الأديان، ويصدقه العمل، فمن آمن بلسانه، وعرف بقلبه، وصدق بعمله؛ فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن قال بلسانه، ولم يعرف بقلبه، ولم يصدق بعمله؛ لم يقبل منه، وكان في الآخرة من الخاسرين"اهـ (الإبانة لابن بطة 2/807)
وقال الشافعي: "وكان الإجماع من الصحابة والتابعين ممن أدركناهم أن: الإيمان قول وعمل ونية، ولا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر"اهـ (شرح أصول الاعتقاد للالكائي 5/139)
وقال إسحاق بن راهويه: "إن قوماً يقولون: من ترك الصلوات المكتوبات، وصوم رمضان، والزكاة، والحجة، وعامة الفرائض من غير جحود لها؛ إنا لا نكفره؛ يرجأ أمره إلى الله بعد إذ هو مقر؛ فهؤلاء الذين لا شك فيهم"؛ قال ابن رجب: أي: لا شك فيهم في أنهم مرجئة"اهـ (فتح الباري 1/21)
وقال الحميدي: "وأخبرت أن أناساً يقولون: من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج، ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت، أو يصلي مستدبر القبلة حتى يموت؛ فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً؛ إذا علم أن تركه ذلك فيه إيمانه إذا كان يقر بالفرائض واستقبال القبلة؛ فقلت : هذا الكفر الصراح، وخلاف كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلماء المسلمين"اهـ (شرح أصول الاعتقاد 5/139- 140)
وقال ابن بطة: "اعلموا - رحمكم الله - أن الله عز وجل لم يثن على المؤمنين، ولم يصف ما أعد لهم من النعيم المقيم، والنجاة من العذاب الأليم، ولم يخبرهم برضاه عنهم؛ إلا بالعمل الصالح، والسعي الرابح، وقرن القول بالعمل والنية بالإخلاص؛ حتى صار اسم الإيمان مشتملاً على المعاني الثلاثة؛ لا ينفصل بعضها من بعض، ولا ينفع بعضها دون بعض؛ حتى صار الإيمان قولاً باللسان، وعملاً بالجوارح، ومعرفة بالقلب؛ خلافاً لقول المرجئة الضالة الذين زاغت قلوبهم، وتلاعبت الشياطين بعقولهم"اهـ (الإبانة 2/779)
وقال: "فمن زعم أن ما في كتاب الله عز وجل من شرائع الإيمان وأحكامه وفرائضه؛ ليست من الإيمان، وأن التارك لها والمتثاقل عنها مؤمن؛ فقد أعظم على الله الفرية، وخالف كتاب الله، ونبذ الإسلام وراء ظهره، ونقض عهد الله وميثاقه"اهـ (الإبانة 2/789)
وقال ابن تيمية: "وقد حذر العلماء من مرجئة الفقهاء أكثر من غيرهم؛ لما لفتنتهم من خطر يشتبه على كثير من المسلمين الذين يقولون:الإيمان تصديق القلب، وقول اللسان، والأعمال ليست منه؛ كان منهم طائفة من فقهاء الكوفة وعبادها، ولم يكن قولهم مثل قول جهم؛ فعرفوا أن الإنسان لا يكون مؤمناً إن لم يتكلم بالإيمان مع قدرته عليه، وعرفوا أن إبليس وفرعون وغيرهما كفار مع تصديق قلوبهم؛ لكنهم إذا لم يدخلوا أعمال القلوب في الإيمان؛ لزمهم قول جهم، وإن أدخلوها في الإيمان؛ لزمهم عمل الجوارح أيضاً فإنها لازمة لها"اهـ (مجموع الفتاوى 8/124)
وقال: "من كان عقده الإيمان، ولا يعمل بأحكام الإيمان، وشرائع الإسلام؛ فهو كافر كفراً لا يثبت معه توحيد"اهـ (مجموع الفتاوى 7/333)
وقال محمد بن عبدالوهاب: "لا خلاف بين الأمة؛ أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب الذي هو العلم، واللسان الذي هو القول، والعمل الذي هو تنفيذ الأوامر، واجتناب النواهي؛ فإن أخل بشيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً؛ فإن أقر بالتوحيد، ولم يعمل به؛ فهو كافر معاند كفرعون، وإبليس"اهـ (كشف الشبهات ص 21)
وقال: "وقولك: إن الإيمان محله القلب؛ فالإيمان - بإجماع السلف - محله القلب، والجوارح جميعاً"اهـ (الرسائل الشخصية ص 122)
وقال: "لا بد في شهادة ألا إله إلا الله؛ من اعتقاد بالجنان، ونطق باللسان، وعمل بالأركان؛ فإن اختل نوع من هذه الأنواع، لم يكن الرجل مسلماً"اهـ (الدرر السنية 2/350)
وقال: "دين الله يكون على القلب بالاعتقاد وبالحب والبغض، ويكون على اللسان بالنطق وترك النطق بالكفر، ويكون على الجوارح بفعل أركان الإسلام وترك الأفعال التي تكفر، فإذا اختل واحدة من هذه الثلاث؛ كفر وارتد"اهـ (الدرر السنية 10/87)
وقال: "وأما كون لا إله إلا الله تجمع الدين كله، وإخراج من قالها من النار إذا كان في قلبه أدنى مثقال ذرة؛ فلا إشكال في ذلك، وسر المسألة: أن الإيمان يتجزأ، ولا يلزم إذا ذهب بعضه أن يذهب كله؛ بل هذا مذهب الخوارج؛ فالذي يقول: الأعمال كلها من لا إله إلا الله. فقوله الحق، والذي يقول: يخرج من النار من قالها، وفي قلبه من الإيمان مثقال ذرة فقوله الحق؛ السبب ما ذكرت لك من التجزي، وبسبب الغفلة عن التجزي؛ غلط أبو حنيفة وأصحابه في زعمهم؛ أن الأعمال ليست من الإيمان"اهـ (الرسائل الشخصية ص 96)