الأحد، 2 نوفمبر 2014

الرد على الجامية | علماء السلطة

من الصفات التي وضعها السبت لخوارج العصر هو ( اتهام العلماء الذين لا يوافقونهم بأنهم عملاء للحكام أو مرجئة ) . 

وهذا من التقول على السلف إذ إنه جعل كل إنكار من العلماء على إخوانهم العلماء في ترددهم على السلاطين وأخذهم للأعطيات جعل ذلك الإنكار صفة من صفات الخوارج . 

والحق أن العلماء الداخلين على السلطان إما مخلص في نصيحته صادق فيما يقول ولم تتغير فتواه بحسب التقلبات السياسية والأزمات الدولية ، غير مداهن ولا محاب ، فهذا لا يجوز اتهامه ولا الفرية عليه بأنه من علماء السلطة ، وهناك نوع آخر اتخذ من الشريعة لباسا للتقرب إلى السلاطين وكسب ودهم وإلباس أفعالهم الصفة الشرعية مع تغير فتواه حسب الأعطيات والتقلبات السياسية وحسب ما يراه ولي الأمر ، فهؤلاء ولا شك علماء سلطة اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا . فأي مبرر لمن أحل ما أجمعت الأمة على تحريمه كالربا وأي مبرر لتحليل بعض صور الحرام ؟ 

وتفصيل الفتاوى حسب ما يراه ويريده السلطان فلا شك أنهم علماء سلطة دهاقنة حكومة ، ومثل هؤلاء حين الإنكار عليهم أو وصف حالهم بواقعهم أنهم عملاء حكام لا يكون الإنسان بذلك من خوارج العصر وهذا كله في باب تغير الفتوى مع اتحاد النية والمحل لا ما ذكره ابن القيم في إعلام الموقعين من تغير الفتوى حسب الزمان والمكان . مع اعتقادنا بأن معرفة قصد المنكر على العلماء إن كان قصده الإنكار لله أو لأنه لا يوافقه أن ذلك أمر داخل في النية فلا يصح وصف الناس بأنهم خوارج لأنهم أنكروا على العلماء دخولهم على السلاطين وطلبهم الدنيا بالدين . 

وإليك أخي القارئ من أنكر على العلماء وسماهم علماء سلطة وشنع عليهم لتعرف من هم الخوارج في مفهوم السبت . ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء 6/262 عن هشام بن عباد قال سمعت جعفر بن محمد يقول : الفقهاء أمناء الرسل ، فإذا رأيتم الفقهاء قد ركنوا إلى السلاطين فاتهموهم . 

وذكر ابن الجوزي في صفة الصفوة 4/140 عن الفضيل بن عياض قال : سئل ابن المبارك من الناس ؟ قال : العلماء ، قال فمن الملوك ؟ قال : الزهاد . قال فمن السفلة ؟ قال : الذي يأكل بدينه . 

وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء ( 12/65) عن الإمام سحنون قال : آكل بالمسكنة ولا آكل بالعلم ، محب الدنيا أعمى لم ينوره العلم ، ما أقبح بالعالم أن يأتي الأمراء ، والله ما دخلت على السلطان إلا وإذا خرجت حاسبت نفسي . 

وذكر الذهبي في السيرة ( 13 / 586 ) عن العنبري قال سمعت البوشنجي قال سمعت أبا صالح الفراء ، سمعت أن أسباط يقول : قال لي سفيان : إذا رأيت القارئ يلوذ بالسلطان ، فاعلم أنه لص وإذا رأيته يلوذ بالأغنياء فاعلم أنه مراء وإياك أن تخدع ويقال لك ترد مظلمة وتدفع عن مظلوم ، فإن هذه خدعة إبليس اتخذها الفراء سلما ، وذكر الإمام ابن كثير في البداية والنهاية 9/279 . 

تأنيب وهب بن منبه لعطاء : (( ويحك يا عطاء ألم أخبرك أنك تحمل علمك إلى أبواب الملوك وأبناء الدنيا ، وأبواب الأمراء ؟ ويحك يا عطاء أتأتي من يغلق عنك بابه ، ويظهر لك فقره ، ويواري عنك غناه ، وتترك باب من بقول : (( ادعوني أستجب بكم )) ( ويحك يا عطاء إن كان يغنيك ما يكفيك ، فأوهى ما في الدنيا يكفيك ، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس في الدنيا شيء يكفيك ، ويحك إنما بطنك بحر من البحور ، وواد من الأودية ، لا يملؤه شيء إلا التراب ) . 

وقال له : (( كان العلماء قبلكم قد استغنوا بعلمهم عن دنيا غيرهم ، فكانوا لا يلتفتون إلى أهل الدنيا ، ولا إلى ما في أيديهم ، فكان أهل الدنيا يبذلون إليهم دنياهم رغبة في علمهم ، فأصبح أهل العلم فينا اليوم يبذلون لأهل الدنيا علمهم رغبة في الدنيا ، فأصبح أهل الدنيا قد زهدوا في علمهم لما رأوه من سوء موضعه عندهم ، فإياك يا عطاء وأبواب السلطان ، فإن عند أبوابهم فتنا كمبارك الإبل ، لا تصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينك مثله )) . 

وبعد هذه الأمثلة من إنكار أهل العلم على من اتخذ دينه عرضا لكسب الدنيا صار واضحا أن الإنكار على من تكسب بدينه عند السلاطين وصار عينا لهم على إخوانه العلماء بل وتهيج الأمراء على أهل العلم كما فعل ابن أبي داود مع الإمام أحمد بن حنبل وكما يفعل دهاقنة السلاطين في كل عصر وزمن ولهم علامات وسمات معروفة من قبض أعطيات السلاطين وعدم الإنكار عليهم والبحث عن الرخص لهم وتهديد العلماء بعض السلطان وتشويه صورتهم عند الأمراء فأي عيب شرعي تراه فيمن أنكر على من هذه صفته حتى يتهم أنه من خوارج العصر ؟ هذا من الغريب في الدين . 

وللحديث بقية ...

كتبه / طارق الطواري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق