الأحد، 2 نوفمبر 2014

الرد على الجامية | إنكار المنكر

مما ذكر السبت وهو أحد منظري الجامية في صفات خوارج العصر أنهم ( ألغوا أحكام الجهاد الشرعية ) ويا ليت شعري من الذي ألغى أحكام الجهاد الأكبر والأصغر ولم يبرح في كل مجلس ومحاضرة وبلدة وقارة إلا حارب الجهاد ، وأهله . 

ومن الذي عطل جهاد الأمر بالمعروف والنهي عن لمنكر أحد صوره ووضع له ضوابطا وشروطا عطلته كالقول بأن الإنكار باليد لا يكون إلا للإمام كما هو في منهج جمعية إحياء التراث ص 24 وهو الذي ذكر تلميذهم صالح الغانم في جريدة الوطن في 10/3/98 مما نصه ( إنكار المنكر واجب باليد على كل من يستطيعه والصحيح أن ذلك لولي الأمر فقط ) وذكر ذلك في محاضرة شبهات حول منهج الجمعية لمحمد الحمود والأخ حاي الحاي في 19/3/98 ولا شك أن في هذا الشرط تعطيلا لاحكام الجهاد باليد وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) . 

وإليك أخي القارئ بيان أقوال العلماء في أن المنكر يجوز تغييره باليد لإفراد المسلمين فضلا عن إمامهم وأن الذي عطل أحكام الجهاد هو من ألغى أحكامه واشترط ما ليس فيه وما لا يصح فيه . 

قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم ( 2 / 25 ) عند شرح حديث ( من رأى منكم منكرا … الحديث ) : 

(( قال القاضي عياض رحمه الله : هذا الحديث أصل في صفة التغيير فحق المغير أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به ، قولا كان أو فعلا ، فيكسر آلات الباطل ويريق المسكر بنفسه ، أو بأمره إذا أمكنه ، ويرفق في التغيير جهده بالجاهل وبذي العزة الظالم المخوف شره ، إذ ذلك أدعى إلى قبول قوله . كما يستحب أن يكون متولي ذلك من أهل الصلاح والفضل لهذا المعنى ، ويغلظ على المتمادي في غيه والمسرف في بطالته إذا أمن أن يؤثر إغلاظه منكرا أشد مما غيره لكون جانبه محميا عن سطوة الظالم ، فإن غلب على ظنه أن تغييره بيده يسبب منكرا أشد منه : من قتله أو قتل غيره بسببه كف يده واقتصر على القول باللسان والوعظ والتخويف ، فإن خاف أن يسبب قوله مثل ذلك غير بقلبه ، وكان في سعة ، وهذا هو المراد بالحديث إن شاء الله تعالى . وإن وجد من يستعين به على ذلك استعان ما لم يؤد ذلك إلى إظهار سلاح وحرب ، وليرفع ذلك إلى من له الأمر إن كان المنكر من غيره أو يقتصر على تغييره بقلبه ، هذا هو فقه المسألة وصواب العمل فيها عند العلماء والمحققين . 

ثم قال النووي رحمه الله : (( قال إمام الحرمين رحمه الله : ويسوغ لآحاد الرعية أن يصد مرتكب الكبيرة إن لم يندفع عنها بقوله ما لم ينته الامر إلى نصب قتال وشهر سلاح ، فإن انتهى الأمر إلى ذلك ربط الأمر بالسلطان )) أ.هـ . 

وقال القاضي أبو بكر بن العربي في ( أحكام القرآن 1/293 ) : وإنما يبدأ باللسان والبيان ، فإن لم يكن فباليد ، يعني أن يحول بين المنكر وبين متعاطيه بنزعه عنه وبجذبه منه ، فإن لم يقدر إلا بمقاتلة وسلاح فليتركه ، وذلك إنما هو إلى السلطان لأن شهر السلاح بين الناس قد يكون مخرجا إلى الفتنة ، وآيلا إلى فساد أكثر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إلا أن يقوى المنكر ، مثل أن يرى عدوا يقتل عدوا فينزعه عنه ولا يستطيع ألا يدفعه ، ويتحقق أنه لو تركه قتله ، وهو قادر على نزعه ولا يسلمه بحال ، وليخرج السلاح ) أ. هـ . 

وتضافرت النصوص عن الإمام أحمد في إراقة الخمور وكسر آلات اللهو ، وقد رواها الخلال في كتابه ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) فمن ذلك : 

1 ) وأخبرني أحمد بن محمد بن مطر وزكريا بن يحيى أن أبا طالب حدثهم أنه قال لأبي عبد الله : نمر على المسكر القليل والكثير أكسره ؟ قال : نعم تكسره ، لا يمر بالخمر مكشوفا . قلت فإذا كان مغطى ؟ قال : لا تتعرض له إذا كان مغطى . ( ص / 64 ) . 

2 ) أخبرني أحمد بن حمدويه الهمذاني قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله ثنا أبو بكر المروزي قال : قلت لأبي عبد الله : لو رايت مسكرا مكشوفا في قنينة ، أو قربة ترى أن تكسر أو تصب ؟ قال تكسره . ( ص / 64 ) . 

3 ) أخبرني محمد بن أبي هارون أن إسحاق حثهم قال : سألت أبا عبد الله عن الرجل يكسر الطبل أو الطنبور أو مسكرا ، عليه في ذلك شيء ؟ قال أبو عبد الله : اكسر هذا كله ، وليس يلزمه شيء . ( ص 74 ) . 

4 ) أخبرنا أبو بكر المروزي قال : قلت لأبي عبد الله : أمر في السوق فأرى الطبول تباع ، أفأكسرها ؟ قال : ما أراك تقوى ، إن قويت . قلت : أدعى أغسل ميتا ، فأسمع صوت طبل . قال : إن قدرت على كسره فاكسره ، وإلا فاخرج . ( ص / 71 ) . 

5 ) أخبرني عمر بن صالح بطرسوس ، قال : رأيت أحمد بن حنبل مر بعود مكشوف ، فقام ، فكسره . ( ص /68 ) . 

6 ) أخبرني الحسن بن علي بن عمر المصيصي قال : سمعت عمر بن الحسين يقول : كسر أحمد بن حنبل طنبورا في يد غلام لأبي عبد الله نصر بن حمزة ، قال : فذهب الغلام إلى مولاه ، فقال له : كسر أحمد بن حنبل الطنبور . فقال له مولاه : فقلت له : إنك غلامي ؟ قال : لا . قال : فاذهب ، فأنت حر لوجه الله تعالى . ( ص / 68 ) . 

7 ) أخبرني محمد بن علي حدثنا صالح بن أحمد أنه سأل أباه عن الرجل يستغيث به جاره من فاحشة يراها . قال : كل من رأى منكرا فاستطاع أن يغيره بيده غيره ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان . ( ص 63 ) . 

ومما نقل عنه ـ رحمه الله ـ في توبيخ فاعل المنكر والتشهير به .. 

8 ) أخبرني محمد بن جعفر بن الحارث حدثهم أنه قال لأبي عبد الله : إن لنا جيرانا يشربون النبيذ في الطريق . قال : إنههم أشد النهي ، وأغلظ لهم ووبخهم . ( ص 50 ) 

9 ) أخبرني محمد بن علي الوراق أن محمد بن أبي حرب حدثهم قال : سألت أبا عبد الله عن الرجل يسمع المنكر في دار بعض جيرانه ، قال : يأمر . قالت : فإن لم يقبل ؟ قال : تجمع عليه الجيران وتهول عليه . ( ص 50 ) . 

10 ) أخبرني منصور بن الوليد أن جعفر بن محمد النسائي حدثهم قال : سمعت أبا عبد الله سأل عن الرجل يمر بالقوم يغنون ، قال : إذا ظهر له ، هم داخل . قلت لكن الصوت يسمع في الطريق . قال : هذا قد ظهر عليه أن ينهاهم ، ورأى أن ينكر الطبل ـ يعني إذا سمع حسه ـ .. قيل له : مررنا بقوم وقد أشرفوا من علية لهم ، وهم يغنون فجئنا إلى صاحب الخبر فأخبرناه ، فقال : لم تكلموا في الموضع الذي سمعتم ؟ فقيل : لا . قال : كان يعجبني أن تكلموا ، لعل الناس كانوا يجتمعون ، وكانوا يشهرون . ( ص 50/51 ) . 

وقال النووي في روضة الطالبين ( 10 / 220 ) : 

( وأما صفة النهي عن المنكر ومراتبه ، فضابطه قوله صلى الله عليه وسلم : (( فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه )) فعليه أن يغير بكل وجه أمكنه ولا يكفي الوعظ لمن أمكنه إزالته باليد ، ولا تكفي كراهة القلب لمن قدر على النهي باللسان ) . وقال أيضا في إتلاف الملاهي ( 5/ / 18 ) : ( ومما يتلق بهذا الفصل أن الرجل والمرأة والعبد والفاسق والصبي المميز ، يشتركون في جواز الإقدام على إزالة هذا المنكر وسائر المنكرات ، ويثاب الصبي عليها كما يثاب البالغ ، ولكن إنما تجب إزالته على المكلف القادر . قال الغزالي في ( الإحياء ) وليس لأحد منع الصبي من كسر الملاهي وإراقة الخمور وغيرهما من المنكرات ، كما ليس له منع البالغ ، فإن الصبي وإن لم يكن مكلفا فهو من أهل القرب ، وليس هذا من الولايات ، ولهذا يجوز للعبد والمراة وآحاد الرعية ) . 

وقال ابن قدامة في مختصر منهاج القاصدين ( ص 124 ) : 

( واشترط قوم كون المنكر مأذونا فيه من جهة الإمام أو الوالي ، ولم يجيزوا لآحاد الرعية الحسبة ، وهذا فاسد ، لأن الآيات والأخبار عامة تدل على أن كل من رآى منكرا فسكت عنه عصى ، فالتخصيص بإذن الإمام تحكم ) . 

ـ وقال أيضا في درجات الاحتساب ( ص 129 ) : 

( الدرجة السابعة : مباشرة الضرب باليد والرجل وغير ذلك مما ليس فيه إشهار سلاح ، وذلك جائز لللآحاد ، بشرط الضرورة والاقتصار على قدر الحاجة ، فإذا اندفع المنكر فينتغي أن يكف . 

الدرجة الثامنة : أن لا يقدر على الإنكار بنفسه ويحتاج إلى أعوان يشهرون السلاح فإنه ربما يستمد الفاسق أيضا بأعوانه ويؤدي إلى القتال ، فالصحيح أن ذلك يحتاج إلى إذن الإمام ، لأنه يؤدي إلى الفتن وهيجان الفساد . وقيل : لا يشترط في ذلك إذن الإمام ) . 

( 9 ) وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية ( 1/195 ) : ( ولا ينكر أحد بسيف إلا مع سلطان . وقال ابن الجوزي : الضرب باليد والرجل وغير ذلك مما ليس فيه إشهار سلاح أوسيف يجوز للآحاد بشرط الضرورة والاقتصار على قدر الحالجة ، فإن احتاج إلى أعوان يشهرون السلاح لكونه لا يقدر على الإنكار بنفسه فالصحيح أن ذلك يحتاج إلى إذن الإمام لأنه يؤدي إلى الفتن وهيجان الفساد . وقيل لا يشترط في ذلك إذن الإمام . 

( 10 ) وقال ابن النحاس الشافعي ( المتوفى سنة 814 ) في كتابه ( تنبيه الغافلين ) ( ص 57 / 58 ) : ( فإن لم يتمكن من إزالة المنكر إلا بضرب المنكر عليه فليضربه بيده ورجله ونحو ذلك ، وليحذر ما يفعله كثير من الناس إذا وصل في الإنكار إلى هذه الرتبة من الاسترسال في الضرب بعد زوال المنكر ، فإن ذلك لا يجوز للآحاد الرعية ) أ.هـ . 

  • وخلاصة ما تقدم : 

    أن لآحاد الرعية تغيير المنكر باللسان والتقريع والتوبيخ باليد أيضا ما لم يثر فتنة ، ولهم الضرب باليد والرجل دون استرسال ، أما شهر السلاح فلا يكون إلا بإذن الإمام ، إلا لاستنقاذ معصوم تعين عليه إنقاذه . 

    ولمزيد بيان انظر كتاب ( التنبيهات العلمية على منهج الجمعية للشيخين جاسم الفهيد ، وحاكم المطيري ) . 

    وللحديث صلة ...

  • كتبه / طارق الطواري
  • ليست هناك تعليقات:

    إرسال تعليق