الأحد، 2 نوفمبر 2014

الرد على الجامية | الجهاد

في هذه الحلقة لن أحتاج إلى التعليق كثيرا على ما ذكره السبت منظر الجامية والمداخلة في مقاله الأخير حول صفات الخوارج من أنهم مع كل ثورة يسمونها جهادا وهو الذي كرره كثيرا في مقالاته ومحاضراته من أن الجهاد لا ينعقد بغير إمام ظاهر وأن كل الحركات الجهادية إنما هي ثورات لا شرعية لعملها بل أنها تفسد أكثر مما تصلح دونما قيد أو شرط أو ضابط شرعي وهو الذي ردده تلميذه صالح الغانم في مقال الوطن 10/3/98 ( والجهاد لا يشترط له إمام وهو خلاف الصواب ) . 

وإني لأتساءل عن خوارج العصر الذين لبسوا كل ثورة ثوب الجهاد ، أيدخل ضمنهم الشعب الجزائري في ثورته على الفرنسيين والشعب الليبي في ثورته على الإيطاليين أو الشعب المصري في ثورته على العدوان الثلاثي والإنكليز وقيامه بالمقاومة السرية والشعب الأفغاني وقيامه مع الأفغاني الشيوعي والشعب الشيشاني والشعب البوسني ، لا .. بل والمقاومة الكويتية للبعث العراقي … ؟ 

وأنها والله لزلة خطيرة وعظيمة من السبت والجامية يوم أن ألبسوا أهل الجهاد ثوب غيرهم واتهموهم بما ليس فيهم ، وأما ما ذكروه عنهم من أن الجهاد لا يشترط له إمام وإن ذلك قول الخوارج نقول نعم ، لقد نصص الخوارج على نقض الإمامة لأتفه الأسباب كما ذكر ذلك عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة ( 2/87) وفي التبصير في الدين للاسفراييني (ق/46) ، غير أن عقد الجهاد بغير إمام لم يكن يوما من الأيام هو من آراء الخوارج التي تميزوا بها عن أهل السنة ، بل إن علماء الأمة على انعقاد الجهاد بغير إمام فعلى هذا يكون خوارج العصر عند السبت والجامية من عقد راية الجهاد دفعا أو طلبا ولم يكن له إمام ظاهر وإليك أخي القارئ خوارج العصر على رأي السبت ممن يقول بهذا القول : 

1 ـ الإمام صديق خان حيث ذكره في الروضة ص 333 ما نصه ( الأدلة على وجوب الجهاد من الكتاب والسنة وردت غير مقيدة ، يكون السلطان أو أمير الجيش عادلا بل هذه فريضة من فرائض الدين أوجبها الله على عباده المسلمين من غير تقيد بزمان أو مكان أو شخص أو عدل أو دور . 

2 ـ الإمام عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ حيث يقول ك ( بأي كتاب أم بأي حجة أن الجهاد لا يجب إلا مع إمام متبع هذا من الفرية في الدين والعدول عن سبيل المؤمنين والأدلة على بطلان هذا القول أشهر من أن تذكر من ذلك عموم الأمر بالجهاد والترغيب فيه ) ( وكل من قام بالجهاد في سبيل الله فقد أطاع الله وأدى ما فرضه الله ولا يكون الإمام إلا بالجهاد لا أنه لا يكون جهادا إلا بإمام ) [الدرر السنية 7/97 ] وقال رحمه الله بعد الاستدلال بقصة أبي بصير عندما كان في نفر يهجم على قريش وقوافلهم واستقلاله بحربهم ( فهل قال له رسول الله أخطأتم في قتال قريش لأنكم لستم مع إمام ! سبحان الله ! ما أعظم مضرة الجهل على أهله عياذا بالله من معارضة الحق بالجهل والباطل ) وهذا والإمامة تتحقق غالبا في الجهاد وقد جاهد الإمام محمد بن سعود مع الإمام محمد بن عبد الوهاب جهاد دفع وطلب قبل أن يكون ( إماما حاكما ظاهرا ) فهل كان قتالهم باطلا ؟ قال الشيخ عبد الله أبا بطين كما في الدرر السنية [ 7/204 ] ( ومحمد بن عبد الوهاب رحمه الله ما ادعى إمامة الأمة وإنما هو عالم دعا إلى الهدى وقاتل عليه ولم يلقب في حياته بالإمام ولا عبد العزيز بن محمد بن سعود ما كان أحد في حياته منهم يسمى إماما وإنما حدث تسمية من تولى بعدهم ) وقال ( والشيخ محمد بن عبد الوهاب قاتل من قاتله ليس لكونهم بغاة وإنما قاتلهم على ترك الشرك وإزالة المنكرات وعلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ) . 

3 ـ قال ابن حزم ( يغزى أهل الكفر مع كل فاسق من الأمراء وغير فاسق ومع المتغلب والمحارب كما يغزى مع الإمام ويغزوهم وحدهم إن قدر أيضا [ المحلى 10/99 ] قال ابن حزم : قال تعالى (( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك )) وهذا خطاب موجه إلى كل مسلم فكل أحد مأمور بالجهاد وإن لم يكن معه أحد ) [ 7/351 ] . 

4 ـ فهم القرافي حيث ذكر في [ الذخيرة 3/393 ] شروط الجهاد فقال : هي ستة : الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والذكورة والاستطاعة . 

ثم قال : فإن صدم العدو الإسلام وجب على العبد والمرأة المدافعة عن النفس والبضع . 

5 ـ ومنهم ابن قدامة حيث ذكر في المغني [ 10/366 ] شروط الجهاد السبعة ولم يذكر منهم الإمام . وقال [ 10/374 ] فإن عدم الإمام لم يؤخر الجهاد لأن مصلحته تفوت بتأخيره وإن حصلت غنيمة قسمها أهلها على موجب الشرع . 

6 ـ ومنهم الإمام ابن أبي العز الحنفي حين قال في [ 437 ] شرح العقيدة الطحاوية ، حيث يقول : اشتراط وجود الإمام سواء كان إماما عاما للمسلمين جميعا أو كان إماما لطائفة منهم من أجل الجهاد في سبيل الله لم يقل به عالم من أهل السنة والجماعة قط وإنما هو قول الرافضة الذين قالوا لا قتال إلا بظهور الرضى من آل محمد . 

7 ـ ومنهم الإمام الحسين بن مسعود البغوي حيث قال في التفسير [ 2/255 ] قوله تعالى (( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك )) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم واعد أبا سفيان بعد حرب أحد موسم بدر الصغرى في ذي القعدة فلما بلغ الميعاد دعا إلى الخروج فكرهه بعضهم ، فأنزل الله عز وجل (( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك )) أي : لا تدع جهاد العدو والانتصار وعاتبهم على ترك القتال . [ البغوي 2/255 ] . 

واستدل بالآية السابقة البراء بن عازب رضي الله عنه عندما سئل عن الرجل يذهب وحده فيلقى المئة من العدو فيقاتلهم فقال : قال تعالى : (( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك )) رواه ابن حاتم ، والإمام أحمد ، وابن مردويه . 

ولا شك أن اشتراط وجوب إمام عام للمسلمين والحال أنه لا يوجد هذا الإمام حسب مقاييس أهل العلم ومقاييس من يشترط هذا الشرط كذلك فيه تعطيل لفريضة الجهاد وذهاب لريح أهل الإسلام وتمكين لأهل الكفر منهم وتثبيت لهم في أرض الإسلام . 

وإني والله لأخشى أن يكون السبت ومن يدور في فلكه في مقالاتهم أو محاضراتهم ممن يثبطون عن الجهاد ، إذ يشترطوا له ما لم يشترطه أهل العلم وهو أشبه بالمستحيل في هذا الزمن . 

ولا مناص بعد ذلك من لحوق قول ابن حزم فيمن ثبط عن الجهاد حيث يقول ( ولا إثم بعد الكفر أعظم من إثم من نهى عن جهاد الكفار بإسلام حريم المسلمين إليهم ) [ المحلى 7/300 ] . 

وأما ما ذكر السبت عن الحركات الجهادية التي سماها ثورات وقد ألبسها الخوارج اسم الجهاد ، فهلا أفصح لنا عن ثورات خوارج هذا العصر لنميز بين ما يقوم بها إخواننا في البوسنة والشيشان وأفغانستان والفلبين وكشمير وأوغادين وغيرها من أعمال الخوارج ، مع ما سبق ذكره من أن علماء الأمة في القديم والجديد كانوا يقاتلون العدو الظاهر كل في بلده كما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية في مقاتلة التتر يوم أن ضعف سلطان الخلافة وكما فعل المسلمون في أواخر عهد الدولة العثمانية يوم أن قسمت بلاد الإسلام بين الإنكليز وفرنسا وروسيا ، فكل قاتل في بلده ومن ناحيته وكذا فعل أهل الحديث في الهند وعلى رأسهم الشيخ إسماعيل الشهير في وجه الإنكليز ولم ينكر على أهل الهند إلا القاديانيون الذين امتنعوا عن قتال الإنكليز بحجة أن لا إمام ولا قوة ولا طاقة .. الخ . 

وأي جماعة قامت بأمر الجهاد في وجه العدو الكافر وجب نصرها . 

قال الإمام عبد الرحمن بن حسن في الدرر السنية [ 7/97 ] فإذا كانت هناك طائفة مجتمعة لها منعة وجب عليها أن تجاهد في سبيل الله بما تقدر عليه لا يسقط عن فرضه بحال ولا عن جميع الطوائف وليس في الكتاب والسنة ما يدل على أن الجهاد يسقط في حال دون حال أو يجب على أحد دون أحد إلا ما استثنى في سورة براءة ، وتأمل قوله : (( ولينصرن الله من ينصره )) وقوله : (( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا )) الآية وكل يفيد العموم بلا تخصيص . 

وجاء في الإقناع [ 175 ] ( فإن عدم الإمام أو ترك الجهاد أو خشي فوات مصلحة أو وقوع مفسدة أو تعين على طائفة لم يشترط إذنه بل يقيم المجاهدون أميرا منهم ويجاهدون معه ) أ.هـ . 

وأخيرا ، إن كان السبت والمداخلة الجامية غير قادرين على الجهاد والوقوف إلى جنب الأخوة المجاهدين في كل زمان الصادق فيهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة )) أخرجه مسلم [ 156 ، 1923 ] . قال النووي في شرح مسلم 13/67 ( وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة فإن هذا الوصف ما زال بحمد الله تعالى من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن ولا يزال حتى يأتي أمر الله المذكور في الحديث ) . 

أقول إن كان السبت عاجزا عن الجهاد ، فليس له أن يحكم على غيره بالعجز يثبطهم عن الجهاد ويلبسهم لباس الخوارج . قال القاضي بن أبي العز الحنفي في مقدمة شرح الطحاوية ص 13 ( وإن كان العبد عاجزا عن معرفة بعض ذلك أو العمل به فلا ينهى عما عجز عنه مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بل حسبه أن يسقط عنه اللوم لعجزه ، لكن عليه أن يفرح بقيام غيره به ويرضى ويود أن يكون قائما به ) . ولا بد من إشارة إلى أن كل الممارسات الخاطئة ـ إن ثبت أن الإسلاميين وراءها ـ في مصر أو الجزائر أو غيرهما من قتل النساء أو الأطفال ليست من الإسلام في شيء فنحن مع تصحيح مسيرة الجهاد لا مع تعطيله . ولسنا نرضى بأن يستغل أحد راية الجهاد لارتكاب ما لا يقره الشرع الحنيف ولا يرضاه الله ورسوله سواء كان في الجزائر أو في مصر أو في غيرهما والحق أحق أن يتبع . 

فيا ليت السبت تحلى بالإنصاف ولم يحمل جريرة من إلتحف تحت راية الجهاد فأساء للجهاد وأهله إثم غيرهم كما لا يحمل الصالح جريرة الفاسد لا الإسلام جريرة من أساء فهمه وتطبيقه . ونتمنى ألا يكون ( خوارج العصر ) عند السبت هم أهل الجهاد في الثغور والجبهات ممن بذلوا المهج والنفوس في سبيل الله . 

وإنني لأذكر بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه بشير بن الخصاصية رضي الله عنه قال : (( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبايعه على الإسلام فاشترط علي : تشهد ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، وتصلي الخمس وتصوم رمضان وتؤدي الزكاة وتحج البيت ، وتجاهد في سبيل الله ، قلت يا رسول الله : أما اثنتان فلا أطيقهما ( فذكر الصدقة والجهاد ) فقال صلى الله عليه وسلم : ( لا صدقة ولا جهاد فبم تدخل الجنة ؟ ) أخرجه أحمد [ 5/224 ] والحاكم وصححه الذهبي [ 2/80 ] . 

قال الإمام ابن جرير الطبري في التفسير [ 4/269 ] هو على كل واحد حتى يقوم به من في قيامه كفاية ، فيسقط فرض ذلك حينئذ عن باقي المسلمين … وعلى هذا عامة العلماء المسلمين . 

والله أعلم

وللحديث بقية ...

كتبه / طارق الطواري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق